ورشة القصص
مجلة الفسحة لأبناء القيمين الدينيين
في قديم الزمان كانت هناك شجرة تفاح في غاية الضخامة والجمال، تتوق يوميا لرؤية غلام صغير أحبته حبا شديدا و أحبها هو أيضا وتعلق بها ، فكان يلعب معها كل يوم يتسلق أغصانها، وإذا جاع أكل من ثمارها اللذيذة الطعم حتى يشبع، وإذا شبع حمد الله سبحانه وتعالى، وأخذ قسطا من الراحة تحت ظلها، ونام نوما هادئا مطمئنا ثم اسيقظ ليلعب ويلهو ويواصل المرح من جديد؛ وبقي الغلام على هذه الحال زمنا طويلا.
لكن مع مرور الأيام كبر الغلام الصغير، ولم يعد يلعب مع الشجرة كما كان في القديم؛ حزنت الئجرة ورجت أن ترى الغلام من جديد، وفي يوم من الأيام أتى إليها ففرحت فرحا شديدا برؤيته، وطلبت منه اللعب معها كما كان يفعل في الماضي، لكنه رفض ذلك معللا بأنه لم يعد صغيرا بعد الآن؛ ولاحظت الشجرة أثناء تطلعها إلى وجهه أنه حزين، فسألته عن سر حزنه، فأجابها بأنه يريد شراء بعض الألعاب الجميلة ولكنه لا يملك النقود الكافية، فأجابته الشجرة بأنها لا تمتلك النقود ولكنها تمتلك الكثير من ثمار التفاح الطازجة وأن بإمكانه جمعها وبيعها بالسوق لجلب المال، ففعل الغلام وشعر بفرحة كبيرة.
مر زمن طويل ولم يأت الغلام لزيارة الشجرة فحزنت بسبب ذلك حزنا عميقا وسالت الله أن يجمعها قريبا به، وما هي إلا مدة يسيرة حتى جاء وقد أصبح رجلا ناضجا، فكانت الشجرة في غاية السعادة لرؤيته من جديد، وعلى الفور طلبت منه اللعب معها فأجابها الرجل قائلا: “لقد أصبحت رجلا كبيرا ومسئولا عن أسرة، وأحتاج بناء منزل لها، فهل تستطيعين مساعدتي أيتها الشجرة؟!، فأجابته الشجرة: “إنني لا أملك لك منزلا، ولكني أحوي الكثير من الغصون والفروع التي بإمكانك أخذها وبناء منزل بها لأسرتك”؛ ففعل الرجل وأحس بسعادة عارمة ففرحت الشجرة بذلك فرحا شديدا.
وفي يوم شديد الحرارة، جاء الرجل إلى الشجرة فطلبت منه اللعب معها، ولكنه قال مبررا: “لقد أتعبتني الحياة، وأريد أن أبحر إلى مكان بعيد لعلي أجد فيه الراحة، هل بإمكانك أن تعطيني مركبا؟!، فأجابته الشجرة: “ليس بإمكاني، ولكنك تستطيع أخذ جدعي وتبني منه مركبا تستطيع الإبحار به أينما شئت”؛ ففعل الرجل وترك الشجرة وحيدة من جديد.
ومرت سنوات عديدة وعاد الرجل من رحلته، ففرحت الشجرة لرؤيته مرة أخرى، ولكنها في هذه المرة لم تطلب منه اللعب معها، فأخبرته حزينة والدموع تملأ عينيها: “سامحني، لم أعد أملك شيئا لأعطيه لك، لم تعد لدي ثمار لتأكلها، ولا فروع لتتسلق عليها، ولا حتى غصون؛ لم أعد أملك إلا جذورا ميتة لا حاجة لك بها”، فأجابها الرجل: “لا عليكِ، فلقد أصبحت عجوزا لا أقوى على شيء، كل ما أحتاج إليه هو مكانا أستريح فيه، فهل بإمكانك مساعدتي؟!”؛ فقالت الشجرة: “نعم يا صغيري، فجذوري الميتة هي أنسب مكان لذلك“
أصدقائي هل تعلمون إلى ماذا ترمز الشجرة؟
لا شك أنكم أدركتم أنها ترمز إلى الأم التي تظل طيلة حياتها تعطي أبناءها دون مقابل، وهي فرحة مسرورة، لهذا علينا أن نعترف بإحسانها ونسعى إلى رضاها ونشكرها على معروفها قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ“
